الأخبار والمقالات
خلل المبالغة في المدح والذم
من الإشكالات الكبيرة والطامات العظيمة والأخطاءالجليلة التي نرى أثرها الصادم على ترابط مجتمعاتنا الغلو والتطرف والمبالغة في المدح والقدح، العزم والذم كالذي نراه ورأيناه عند مقتل رمز وطني أو إسلامي مخالف لنا في المنهج من قبل أعدائنا وذلك بتحريض من أصحاب الفتنة وتهييج من الذباب الالكتروني…
هو خلل ظاهر في عقول شريحة كبيرة من أبنائنا وبناتنا يتمثل في أن حكمنا على الأشخاص يتسم بالغلو بين طرفي نقيض دون نظر إلى جهة وسطية ثالثة كمصاحبة صفة جيدة لأخرى سيئة… فنقتصر في حكمنا على الغير بقسمة ثنائية حاصرة بأنه مسلم أو كافر، متبع أو مبتدع، سني أو شيعي، مجاهد أو عميل، شجاع أو جبان، ناجح أو فاشل… مع أن بين هذا التصنيف درجات كثيرة…
فقد نرى شخصا ارتكب أخطاء فاحشة وطامات عظيمة… لكنه في في زمان أو مكان آخر كان من الأبطال وله دور عظيم في خدمة الأمة ورفعتها والدفاع عن حياضها…
فالأصل أن ننظر بعين العدل لا بعين الرضا ولا بعين السخط، لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة… وعين السخط تبدي المساويا… وقد اختصر نبينا الحكيم المنهج الإسلامي العام في النظر للآخر فقال: (لا يفرك -أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر) رواه مسلم.
فقبل أن يسلم النجاشي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ملك لا يظلم عنه أحد… وقد مدحت عائشة رضي الله عنها المشرك عبد الله بن جدعان أنه كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فأقرها النبي على نظرتها الإيجابية فيما فيه مع كفره…
تفكر يا رعاك الله بما في صحيح البخاري في حديث من شرب الخمر وأقاموا عليه الحد فقال صلى الله عليه وسلم (لا تَلْعَنُوه، فو الله ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه) !!
وقال ابن حجر (وفيه: أن لا تنافي بين ارتكاب النَّهي، وثُبُوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكِب) !! وفي صحيح مسلم عندما رمى خالد بن الوليد الغامدية الزانية بحجر فنزف دمها على وجهه فسبها (فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقالَ: مَهْلًا يا خَالِدُ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له. ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ) مع انها زانية…
فمنهجنا أن نمدح المحسن على إحسانه ونذم إساءة المسيء عند إساءته، فنرفعه فيما أحسن، ونذمه أو نذم فعله حيث أساء، فننتقد إساءته ونمدح إحسانه، ولا تعمينا إساءته عن إحسانه، ولا مثالبه عن مناقبه { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ}[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٨]
وفي الختام أذكركم بمنهج المصطفى مع الخلق أننا هداة لا قضاة فقد قيل : يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: ( إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهم اهد ثقيفا )، قالوا يا رسول الله ادع عليهم، فقال : ( اللهم اهد ثقيفا، اللهم اهد ثقيفا ) رواه الترمذي…
د. ايمن البدارين
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.